ملوك مش فراعنة

فيه مقالات عديدة وكتيرة أوى على الإنترنت بتلقب "ملوك الحضارة المصرية القديمة" بلقب "فراعنة"!!!؟ انا متفهمة تماما الخلط اللى ممكن يكون عند الناس. بس اللى مابحبهوش ولا بطيقه، هو استغلال جهل الناس، أو نشر الجهل ما بينهم علشان يخلوا الناس كلهم عملين زى القطيع اللى ماشى ورا الراعى. علشان كده خلونا نسأل نفسنا سؤال مهم جدا: هو علم دراسة الآثار والتاريخ القديم لمصر اسمه "المصريات - Egyptology - ولا اسمه "فرعونيات - - Pharaonic أو علم الآثار والتاريخ الفرعونى- Pharaonictology؟ طيب هوا مش أغلب الناس بتشوف إن علماء أوروبا دول هما الأصدق والأكتر علما؟ طب الأصدق والأكتر علما دول، هما أصلا اللى حطوا أسس العلم ده، ليه ماسموهوش فرعونيات؟ دا حتى اسم "فرعونيات" ده ح يبئى متداول تجاريا أكتر.

DR. DAHLIA SAAD EL-DIN

د. داليا سعد الدين

7/11/20251 min read

Goddess Isis figurine wallpaper
Goddess Isis figurine wallpaper

خلونا نحل المسألة دى واحدة واحدة، وخطوة حطوة بالتاريخ:

  • أولا: لازم نتفق فى البداية إن القصص الدينى فى الكتب المقدسة، المقصود منه الوعظ والتنبيه، والإعتبار، مش التأريخ. لإنه ببساطة القصة التاريخية محتاجة مكان محدد وزمان محدد، وده مش بيتوفر فى القصة اللى الهدف منها الوعظ والإعتبار.

  • ثانيا: المتداول فعلا تجاريا أكتر هو فكرة "فرعون وفراعنة" بسبب القصص الدينى أولا، ولإن الناس ماكانتش تعرف أى حاجة أصلا عن التاريخ القديم لمصر.

  • ثالثا: كان كل المعروف عن مصر القديمة هو فكرة إن الممياوات القديمة كانت بتتطحن وبيسفها الأغنياء فى أوروبا على اساس إنها ممكن تشفى أو تطول العمر، وطبعا ده خلى الآثار تتنهب أكتر وتنتشر تجارتها خصوصا فى القرن الـ 15 واللى بعده، ولحد عشرينيات القرن الـ 19. علشان كده كان المفروض إنهم يستخدموا الكلمة الأشهر فى تأسيس العلم ده، بس ده ماحصلش، لإنهم ببساطة - هما مش إحنا - فاهمين كويس خطورة الخلط بين ما هو تاريخى وما هو دينى – خصوصا فيما تعلق بقصة الخروج والفرعون.وده لإن الناس فى أوروبا عانوا من الخلط بين الدين وكل حاجة لفترات طويلة جدا فى تاريخهم. وعلشان كده لما حصل وحبوا يأسيسوا علم عن الحضارة المصرية القديمة، نسبوا العلم ده لأصحابه المعروفين واللى لسه عايشين على نفس الأرض، وفى نفس البقعة الجغرافية التاريخية دى واللى اسمها "مصر".

  • رابعا: كان أول عالم مصريات اتكلم ونشر فكرة ربط "فرعون" بالتاريخ المصرى القديم، هو البريطانى فلندرز بيترى (سير وليام ماثيو فلندرز پترى - William Matthew Flinders Petrie) لما عمل الربط الشهير بين تعبير "بر- عا" واللى معناه فى المصرى القديم البيت العالى أو القصر العالى، وبين لفظة أو كلمة "فرعون"، ولحد النهارده فيه جدل كبير جدا حولين ما إذا كانت كلمة "فرعون" دى أصلا لقب ولا اسم. ده غير إن فليندرز بيترى كان معروف بميوله لصنع تاريخ للقصص التوراتى - افهمها انت بقى!

  • خامسا: علماء الأثار الإسرائليين نفسهم غربلوا رمل أرض سينا لما احتلوها فى 67، وكمان لحد النهارده بيغربلوا أرض فلسطين علشان يلاقوا ولو أثر بسيط صغير يقول إن بنى إسرائيل أصلا كانوا فى المنطقة، ومش لقيين حاجة فعلا.

طب الخلط بين ما هو تاريخى وما هو دينى، عندنا احنا جيه منين، وليه؟

االخلط ده نتيجة لعدة أسباب، منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • أولا: الجهل الشديد جدا بمراحل التاريخ القديم لمصر.

  • ثانيا: الخلط الشديد بين ما هو تاريخى فعليا وله آثار وشواهد ووثائق، وبين ما هو قصص دينى المراد منه العبرة والإيمان لا التأريخ، مرجعه فى الأساس هو عدم استشهاد ورجوع رجال الدين لللمعلومات اللى بيوفرها علم التاريخ، ده غير تأكيد الآثار المكتشفة إما على إثبات أو نفى معلومات تاريخية قديمة أو مغلوطة (والنقطة دى تحديدا مكمن الخطورة وحرجعلها تانى وتالت زى ماحتشوفوا).

  • ثالثا: إن فيه بعض علماء المصريات الأوروبيين والمصريين اللى كتير بيكتبوا فى كتبهم "التاريخ الفرعونى" "الفرعون فلان أو علان" "الفراعنة" (ودى عادة بيقولوا أو بيلمحوا إنهم شعب إما وهمى مابيحددهوش أو بيلمحوا لإنه إنقرض وحاجات كتيرة زى كده).

  • رابعا: إللى بيكتبوا ده وبأكدوا فكرة ربط "فرعون او فراعنة" بحضارة مصر القديمة، بيكتوا ده علشان يأكدوا عندك انت تحديدا مسألة الفصل بين واقعك الحالى وبين تاريخك القديم.

  • خامسا: علماء المصريات دول بئى اللى بيستخدموا الكلمات دى وغيرها، فهما إما حاجة من أربعة، وهما:

  1. بيستخدموها من غير قصد بس لمجرد إن المعلومة توصل بسهولة للقارىء العادى غير المتخصص، وعذرهم فى ده هو الجملة الشهيرة بتاعة "شيوع الخطأ صواب!!!" (وده بالنسبالى عذر أقبح من ذنب الصراحة).

  2. أو بيستخدموه للشهرة والترويج التجارى لكتبهم وأفكارهم.

  3. أو بيستخدموا الكلمات دى عن دراية ووعى تام وبتأثرات واعية عندهم بالقصص الدينى. وده لهدفين محددين جدا، الأول هو محاولة التأريخ والتأصيل براحة كده لوجود بنى إسرائل فى المنطقة عموما وفى مصر تحديدا عن طريق ربطهم بعلاقة ما بالحضارة المصرية، فبالتدريج ولإنك انت بئيت تستخدم نفس الكلمات بشكل تلقائى، حيبئى من السهل عن طريقك انت تحديدا إنهم يأكدوا أكاذيب تاريخية كتيرة جدا، منها على سبيل المثال لا الحصر أكذوبة بناء الأهرامات. لإنك انت أصلا مش حتعرف ترد، لإن أى حد حتلائيه يقولك: (كدب كلام ربنا بئى!!؟) وبالتالى حتلاقى إنك إنت نفسك اللى سمحتلهم بتأكيد اللى عايزينه من خلال استخدامك لمصطلحات هما عايزينك تستخدمها وترددها.

Flinders Petrie - فليندرز بيترى

صورة أرشيفية

تتأكد إزاى إن كلامى ده صح ولا غلط؟

ممكن جدا واحد بتاع مصريات من بتوع فرعون و فراعنة وفرعونيات، حيقولك: لأ الست دى وأمثالها بيكدبوا لإننا لقينا خرطوش بيرجع للعصر الفلانى العلانى الترتانى فيه بشكل صريح وواضح لقب فرعون.

تمام جدا، جاوب عن السؤالين اللى جايين وانت ح تعرف الصح من الغلط:

  • هوا لما يقولك الكلام ده، انت ح تتأكد إزاى من صحة الكلام أو لأ؟

  • هل انت بتعرف تقرا الخط الهيروغليفى أو الخط الهيراطيقى أو الديموطيقى؟

انا شبة متأكده إن إجابة حضرتك هيا: طبعا لأ.
ده ح يخلينا نقول بكل بساطة:

إنهم بالتالى بيستغلوا ولامؤخذة جهل حضرتك بعدم معرفتك بقراءة خطوط أجدادك، فحيقولك أى حاجة، ولإنه متخصص وانت لأ، فحتصدقه بكل بساطة

بس الحقيقة فعلا إنه لا فيه خراطيش، ولو كان فيه أى خرطوش تم اكتشافه، او فيه اصلا احتماليات لاكتشاف خرطوش فيه تعبير"بر- عا"، أكيد فلندرز پترى كان ذكره أو استشهد بيه، علشان ده فى حد ذاته ح يكون تأكيد لوجهة نظره، بس ده ماحصلش.

(ماعدا حالة واحد بس ظهرت فيه كلمة بر-عا جوا خرطوش، بس ماكانش المقصود بهاتوصيف أو لقب للملك، خالص مالص، أبسلوتلى. وأى حد ممكن يلاقيه فى القواميس القديمة)

عموما، لا عندنا لا خرطوش للملك فيه انه (بر-عا)، ولا أى كلمة تدل على استخدام "فرعون أو فراعنة" فى التاريخ المصرى القديم - يمكن بس خلال المرحلة البطلمية فيه حالة أو اتنين بالكتير، وده علشان تزايد تعداد الناس اللى اعتنقوا اليهودية، وكمان ثقة واحد زى بطليموس الخامس فى وجهة نظر حاخامات يهود كتير فى الأسكندرية، وكمان كانوا مقربين ليه.

وهنا لازم نفهم حاجة مهمة جدا، وهيا إن الطالمة كانوا حكام أجانب، مش مصريين، علشان الأسرة البطلمية إتأسست على إيد بطليموس الأول سنة 305 قبل الميلاد، وده حصل بعد غزو الإسكندر الأكبر لمصر سنة 323 قبل الميلاد ، وإذا كان حصل وتشبهوا بالملوك المصريين علشان يتقربوا للشعب. وده لسبب بسيط، وهو إنه لحد وقت بطليموس الخامس نفسه (من سنة 203 ولحد 180 قبل الميلاد) ماكانش البطالمة قادرين يبسطوا حكمهم الفعلى على كل شبر فى مصر، وخصوصا فى الصعيد.

ده غير إن المؤرخ المصرى مانيتون السمنودى واللى لحد النهارده أغلب إن لم يكن كل علم المصريات قائم بشكل أساسى على جداوله لتحدد الأسر المصرية الحاكمة - المؤرخ ده ما حطش البطالمة ضمن الأسر المصرية، لإنه ببساطة عارف إنهم أجانب.

المؤرخ مانيتون السمنودى

نرجع لموضوعنا، وارجع وأقول، إن ده كل انتشار لربط تاريخ ملوكما العظماء بكلمة "فرعون"، ده كله استغلال للفصل التاريخى اللى حصل بسبب تغيير أسلوب الكتابة للغة القبطية (واللى هيا تطور للغة المصرية القديمة أو اللغة الفصحى) بعد القرن الأول الميلادى، ثم تغيير للغة نفسها من القبطية للغة العربية بعد القرن العاشر الميلادى.

ده غير إنه استغلال للجهل المدقع بالتاريخ المصرى القديم وبمعرفة قراءة خطوطه الأربعة (طبعا انا ضمنت هنا الخط القبطى بالحرف اليونانى، طبعا ده غير إن أصلا مش كتير من علماء المصريات بيعرفوا يقروا الخرابيش).

يارب أكون عرفت أوصل المعلومة.

تحياتى،

داليا سعد الدين.